top of page

هذه هي

خطتي...

 

صفحتان مقتطعان من رسالة مطوّلة وجهها كامل مروة لأحدى الجهات الأوروبية المانحة في ألمانيا في 25 أيار 1962، لاستكشاف مدى استعدادها لتمويل تشييد مصنع طباعي حديث في بيروت. (ولما لم يلق مسعاه أي تجاوب، لجأ الى تمويل شراء المطابع الملونة الجديدة لـ«الحياة» عبر قرض أبرمه مع «البنك العربي» عام 1963. )


إن إصدار جريدة يومية ذات نوعية جيدة، وبسعر زهيد، لخدمة الجماهير العربية في لبنان ودول المنطقة هو أحد أهداف حياتي منذ عقد ونيف. وأنا متيقن، بناءً على خبرتي الشخصية، أن هذا الهدف ليس مستحيلاً إذا توفرت بعض الشروط المحددة.
ان السعر الحالي لصحيفة من ثماني صفحات، مثل جريدة «الحياة»، هو 25 قرشاً (أي ما يعادل $0.75 باسعار عام 2016)، وهو سعر ليس بمتناول القارىء العربي العادي، حتى في لبنان. ولكن مع الاسف ليس باستطاعتنا تخفيض سعر البيع لأسباب مالية معينة، من السهل تفسيرها اذا ما راجعنا تاريخ «الحياة».
لقد قمت بتأسيس جريدة «الحياة» في 1946، برأسمال ضئيل قدره 10 آلاف ليرة لبنانية (أي ما يعادل أربعين ألف دولار أميركي بأسعار عام 2016). وصدرت «الحياة» بداية بـأربعة صفحات، وكنا نطبعها في مطبعة محلية [مطبعة الشامي في وسط بيروت]. وما لبثت أن اكتسحت الجريدة الأسواق. اذ لعبت حياديتها ومواكبتها للأخبار العربية دوراً في فتح الاسواق العربية المجاورة امامها، وتحديداً في سوريا والاردن والعراق.
عام 1946، كنا نبيع ألف عدد يومياً. وفي 1948، زدنا حجم الصحيفة الى 6 صفحات، وقفزت كمية مبيعاتنا الى ستة آلاف عدد. لكن السوق كانت متعطشة الى ضعف كمية المبيع هذه، أنما كان هناك استحالة تقنية لإنتاجها. فجميع آلات الطباعة في بيروت يومئذ كان قد تجاوزها الزمن، ولم يكن لديها الطاقة لإنتاج أكثر من 1500 عدد في الساعة الواحدة. كما ان صف الأحرف كان يتم يدوياً، ولم تكن آلات التنضيد من طراز لينوتايب متوفرة بعد. 
إزاء كل هذا، عزمت على تأسيس أول مؤسسة طباعية حديثة في هذا الجزء من الشرق الأوسط، مهما كانت الكلفة. ذهبت أولاً الى أفريقيا الغربية حيث لدينا نحو خمسين ألف مهاجر، من ضمنهم عدد كبير من أنسبائي. ونجحت في تأمين قرض بلغ 400 ألف ليرة لبنانية (أي ما يعادل 1.5 مليون دولار أميركي بأسعار عام 2016). ثم عدت الى أوروبا حيث اشتريت ما استطعت أن أجده في الاسواق:
- آلة طباعة من طراز بوهلر [السويسرية] يبلغ انتاجها 5000 عدد في الساعة
- آلتان للتنضيد من طراز لينوتايب [الاميركية - البريطانية]
وهكذا تمكنا بحلول عام 1949 من رفع عدد صفحاتنا من 6 الى 8 صفحات، وجعلنا سعر العدد 15 قرشاً لبنانياً (أي ما يعادل نصف دولار أميركي بأسعار عام 2016).
ولكن سرعان ما اكتشفت أن تجهيزاتنا كانت غير كافية. كان يتطلب صف وتجهيز صفحاتنا الثمانية نحو 18 ساعة، مما يعني أن الأخبار كانت تصل الى قارئنا متأخرة في أغلب الأحيان. كما كانت نوعية الصور الفوتوغرافية في مطبوعتنا غير جيدة.
كنت بحاجة ايضاً لتأمين مبنى مستقل لإيواء معداتنا، إذ لم نجد أي مالك مستعد لتعريض مبناه للإرتجاج من جراء تشغيل آلاتنا الطباعية.
لذلك سعيت بين عامي 1950 و 1956 الى إبرام سلسلة من القروض مع مصرف «البنك العربي» بلغت قيمتها الإجمالية نحو مليون ليرة لبنانية (أي ما يعادل 2.5 مليون دولار أميركي بأسعار عام 2016)، تمكنا بواسطتها من إقتناء الآتي:
- مبنى مؤلف من ستة طوابق
- آلة طباعة من طراز بوهلر [السويسرية]، نصف دوارة
- 10 آلات تنضيد من طراز لينوتايب [الاميركية - البريطانية]
- آلة من طراز سوبرمان من طراز اغسبورغ [الألمانية]
- مطبعة صغيرة مسطحة للبروفات والعينات
- آلتان لحفر ومسح الصور الفوتوغرافية بتقنية كليشوغراف
- آلتان لتلقي أخبار وكالات أنباء لاسلكياً (وآلة ثالثة تحت التأجير) 
في 1952 اصدرت جريدة «ذي دايلي ستار» بثماني صفحات، فتمكنت بذلك من تشغيل المطابع بشكل مكثف اكثر. مع ذلك اضطررت الى رفع سعر كل من الصحيفتين الى 25 قرشاً لبنانياً (أي ما يعادل 0.75$ باسعار عام 2016). كنا نجني الأرباح طبعاً، ولكننا كنا ملزمين في الوقت عينه بأن نسدد ديوننا الى المغتربين في أفريقيا الغربية، وأن ندفع مستحقات قروضنا الى «البنك العربي». لقد تمكنا من تسديد 1.25 مليون ليرة لبنانية منذ 1950 (أي ما يعادل 3.1 مليون دولار اميركي باسعار عام 2016)، من أصول الديون البالغة 1.4 مليوناً. وما تبقى سيتم تسديده قريباً. ولكن يجب ان يضاف الى ما دفعناه نحو نصف مليون ليرة لبنانية قيمة الفوائد (أي ما يعادل 1.25 مليون دولار اميركي باسعار عام 2016). مما يعني اننا بدلاً من أن نسكب أرباحنا في تجديد جريدتنا وإفادة القارىء بتطورنا، كنا عملياً نعمل لصالح البنك.
قريباً سيتم دفع كامل ديوننا. ومع ذلك لن نتمكن من تخفيض سعر الجريدة. لقد تطورت معدات الطباعة كثيراً منذ 1948، وما نملكه من تجهيزات قد تجاوزه الزمن، وباتت، في أي حال، لا تستطيع تأمين كميات الطباعة التي نحتاجها يومياً. نحن بحاجة لآلة طباعية حديثة تتمكن من انتاج صفحات اكثر بسرعة أكبر. إنما للحصول على ما نريده، سوف يتوجب علينا ابرام ديون جديدة، مما يعني أن مداخيلنا سوف تبقى مربوطة لعقد جديد من الزمن الى حين تسديد ما علينا. وبالتالي لن يستفيد القارىء بالحصول على جريدة واسعة الانتشار ومنخفضة السعر. هدفنا هو إصدار 12-16 صفحة يومياً، وبالألوان، بسعر 10 الى 15 قرشاً (أي ما يعادل $0.25 الى $0.40 باسعار عام 2016)ً.
إذا ما نجحنا في إقتناء المعدات الجديدة من دون الوقوع تحت ضغط تأمين التمويل ووطأة تسديد الفوائد، فاننا سنتمكن من إعطاء القاريء العربي أول صحيفة مستقلة ومكتملة ورخيصة. 

bottom of page