top of page

أول

مقالة

 

مقتطفات من افتتاحية لكامل مروة في «الحياة» عام 1960، يرثي فيها الشيخ عارف الزين مؤسس مجلة "العرفان" في صيدا، ويروي فيها قصة أول مقالة نشرت له في المجلة عندما كان لا يزال فتى:

ما تزال ذكرى ذلك الحادث ماثلةً أمام عينيّ، وسترافقني إلى آخر يوم من حياتي...
كان ذلك قبل اثنين وثلاثين عاماً، في عشية يوم من أيام الصيف الحارة. وقفت أمام مكتبه أترقّب خلوّه من الزائرين، وفي يدي ورقة أقبض عليها وكأنها كنز. وطال انتظاري ولا عجب، فمكتب الشيخ أحمد عارف الزين صاحب مجلة «العرفان» في صيدا كان مقصد الأدباء وملتقى الخلّان! 
وأخيراً خرج آخر زائر، فدخلت عليه، أتعثّر الخطى، ومددت إليه الورقة، وقد إحمرّ وجهي حياءً، فاستقبلني بابتسامة الحنان التي طالما غمرني بها منذ وفاة والدي، وإقامته وصياً عليّ. تناول الورقة وراح يقرأها، وقبل أن ينتهي منها، أرخى – رحمه الله- نظّارتيه، وقال لي:
- أأنت كتبت هذا؟
فأومأت بالأيجاب، فقال:
- أحسنت! أحسنت! سأنشرها لك في عدد «العرفان» القادم، شرط أن توالي الكتابة!
هكذا أيها القاريء رأى النور أول مقال كتبته في حياتي في عام 1928، وكنت في الثالثة عشرة من عمري، وهكذا خطوت الخطوة الأولى في الطريق الوعرة، التي قادتني عبر إثنين وثلاثين عاماً إلى هذه السطور...

وكان موضوع مقالي "واحة سيوة" [الواقعة في الصحراء الغربية من مصر] استوحيته من مجلة جغرافية أجنبية. ولكن من أين لي أن أطلع على مجلة أجنبية، أو أن أسمع بواحة سيوة، أو أن أكتب مقالاً، لو لم يكن في صيدا رجل أسمه أحمد عارف الزين؟ يومئذٍ كنا في الجنوب لا نعرف صحفاً، ولا مجلات، ولا سيارات ولا طيارات ولا راديو.

هذه المستحدثات كانت ما تزال - بالنسبة لنا – في طيّ الغيب. ولكن فعلها كان يجتمع في مجلة واحدة، أسمها "العرفان". لقد كانت الجسر الوحيد الذي تنتقل عليه المعرفة بين العالم وبين جبل عامل، فعاش ربع مليون نسمة وأكثر من جيل، على غذاء "العرفان"، نافذتهم الوحيدة على العالم.

[...] هذا المنبر، قام بإرادة رجل واحد، وتضحية رجل واحد، هو الشيخ أحمد عارف الزين، الذي نعيناه للقراء في "حياة" أمس.

وأنا واحد من الذين فتحوا عيونهم على الدنيا من خلال [نافذته]، واستمدوا [منه] العدة لاقتحام غمار الحياة...

bottom of page